عبد الكريم فرج، فنان تشكيلي سوري (مواليد السويداء 1943)، درس الحفر المطبوع في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وتخرج فيها العام 1970. عاد إليها معيداً، أوفد بعدها إلى أكاديميّة الفنون الجميلة في وارسو ببولونيا لمتابعة تخصصه العالي في هذا المجال. حصل على درجة الماجستير في الغرافيك، ثم على درجة الدكتوراه في تاريخ الفن. عمل مدرساً لمادة الحفر والطباعة في قسم الحفر والطباعة في الكلية، وما زال يؤدي هذه المهمة حتى اليوم. شغل منصب عميد كلية الفنون الجميلة في دمشق والسويداء. أقام عدة معارض فرديّة، وهو مشارك دائم في المعارض العامة. يمارس إلى جانب إنتاج العمل الفني المتنوع التقانات والمواد والخامات، الكتابة حول الفن. أصدر عدة كتب منها «غويا والنزوات» و«فن الحفر والطباعة في أوروبا في القرن العشرين».
         تتوزع أعمال الفنان فرج على المحفورة المطبوعة، واللوحة المنفذة بخليط من التقانات، كالجمع بين الحفر والرسم والتصوير والأقمشة الملوّنة بطريقة التلصيق، ضمن توليفة لا تضحي بخصائص المحفورة العامة، ولا بأسلوبيّة الفنان فرج، ذلك لأنه يخضع معالجته لمحمولات سطحها، لشخصيته الفنيّة القائمة (منذ تكوّنها الأول) على شغف خاص بالطبيعة ومفرداتها، وعلى الجمع الموفق، بين الخبرة الأكاديميّة، والمعرفة والإلمام بالتقانات، وبين التلقائيّة التي باتت ضروريّة ولازمة، للعمل الفني المنهك بالتكنولوجيا، والارتجالات غير الخاضعة لأي قانون أو مفهوم تشكيلي صحيح وسليم.
         بدأ الفنان فرج تجربته الفنيّة التشكيليّة في وقت مبكّر من حياته، وأبرز الصور وضوحاً في ذهنه عن هذه البدايات، رسمه للأحصنة بكثرة على الجدران بالطباشير، وكان يومها بحدود العاشرة من العمر. البداية الثانية كانت في لقائه بشبه مختص بالفن، هو أستاذه في المرحلة الابتدائيّة (صالح السعدي) الذي حاول توجيهه فنياً، ويذكر أنه قال له يومها: هناك جدل دائم بينك وبين الطبيعة، استمر فيه فهذا سيؤدي بك حتماً إلى تملكك للفن.
         في تلك المرحلة، لم يكن لديه التصور الكامل لقيمة هذه الأمور، لكن ما لبث هذا التصور أن أخذ شكلاً أكثر وضوحاً وجديّة، عندما أوفد للدراسة في دار المعلمين في مصر، حيث التقى الأستاذ (فيلي) الذي قام بتوجيهه إلى رسم المناظر الطبيعيّة، فأكد بذلك نظريّة أستاذه الأول في موضوع الجدل القائم بينه وبين الطبيعة. وهكذا تابع رحلته الشيقة والساحرة، في حقول وأقاليم الفنون التشكيليّة، وفي التأكيد على العلاقة الحميميّة بينه وبين الطبيعة التي لم تغب عن أعماله الفنيّة، بشكل مباشر وغير مباشر.
بعد عودته من مصر، وتعيينه معلماً في إحدى قرى منطقة «شهبا»، أشعر الفنان فرج بأنه مُبعد عن شيء يحتاج إليه، ويشعر برغبة عارمة لممارسته بشكل علمي أكاديمي صحيح، فتطلع إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وبعد جهود كبيرة، استطاع تأميم إيفاد للدراسة فيها، بعد أن اجتاز اختبار القبول فيها بتفوق.
        عندما دخل الكلية، لم يكن يعلم شيئاً عن ماهية الأقسام التي تضمها، لكن عند احتكاكه أول مرة بفن الحفر المطبوع، هذا العالم المتداخل والمركب من الأبيض والأسود والرماديات، شعر بأن هذا ما يبحث عنه. وبعد قضاء سنة كاملة في الكلية، تأكد بشكل قاطع، أن فن الحفر سيكون اختصاصه دون غيره من الفنون التشكيليّة. في السنة الثانية ولج مرحلة التخصص فيه.
مع احتكاكه الدائم بفن الحفر، واجهته، وبشكل يومي، مشكلات فنيّة تشكيليّة عديدة وجديدة، طرحها هذا الفن أمامه، فبدأ يحدد طبيعة كل خامة: فحم، حبر صيني، قلم رصاص..إلخ. ومن ثم أخذ يحدد الطريقة التي يجب أن يعالج فيها الأشكال والمساحات. وهكذا مضت مرحلة الدراسة الأكاديميّة عند الفنان فرج المتيقظ الباحث، والذي وجد نفسه فجأة على أبواب الحياة العمليّة، حيث واجهته أولى العقبات على هذا الصعيد، والمتمثلة باستحالة ممارسته لهذا الفن، بشكله الصحيح، من دون توافر اللوازم الأساسيّة لممارسته، وهي غالية الثمن، وغير متوافرة في سورية. مع ذلك، لم ينقطع عن ممارسة الرسم. هذا الوضع تحسن بالنسبة له، وذلك عندما عاد مرة أخرى إلى محترفات قسم الحفر في الكلية كمعيد فيه، ومن ثم شد الرحال إلى بولونيا لمتابعة التخصص العالي بهذا الفن.
       يرى الفنان فرج أن الفنان الحقيقي يجب أن يكون آخر من يهتم بالشهرة، وهو ضد عملية الوصول بسرعة، وبأي وسيلة، لأنه يرى في ذلك سقوطاً للفنان في السطحيّة وعدم القدرة على البحث الجاد والتجديد الدائم. أما رأيه بالالتزام الفني فيحدده بالارتباط بالقضايا الفكريّة الثوريّة، التي تعني في الوقت نفسه، الالتزام الصحيح والمتطور، بالحالة الإبداعيّة التي يجب ألا تغيب أبداً عن الفنان وعمله الفني.