كتب الدكتور محمود شاهين :

تمثل هذه اللوحة الصيغة الفنية التوفيقية التي توصلت اليها تجربة الفنان التشكيلي السوري عبد الكريم فرج الذي درس فن الحفر و الطباعة وعلوم الفن في دمشق ووارسو في بولونيا ، و هي صيغة تماهي بين خصائص و مقومات فنون الحفر المطبوع ، و التصوير ، و التلصيق ،

(الكولاج)، حيث يقوم الفنان بالمزج بين عناصر و مفردات و أشكال مطبوعة باحدى وسائطالحفر (الزنك ، الخشب، اللينوليوم) والرسم المباشر، والتصوير، وقصاصات الأقمشة الملونة، المنتخبة: لوناً، وحجماً، وتموضعاً ، والمثبتة بوساطة مادة لاصق، ما يجعل من سطح لوحته خلطة تقانية، يتماهى فيها الفن التشكيلي بالفن التطبيقي، و الصيغة الواقعية بالصيغة المجردة، و لأن الفنان فرج من الحفارين المتميزين الذين أمضوا أكثر من نصف قرن من الزمن ، في الاشتغال على تقانات فن الحفر و الطباعة ، ومسكون بهاجس البحث و التجريب والتجديد، خرج عن اطار المحفورة المنفذة و المطبوعة بالوسائط التقليدية، الى رحاب اللوحةالمنفذة بوسائط تشكيلية مختلفة، بهدف اثراء سطحها بصرياً ودلالياً. ولأن هذا الفنان في الأساس، درس وخبر وجمع معارف فنية عملية ونظرية كثيرة وعميقة، و يمتلك الموهبة الحقيقية، أخضع حمولات منجزه الابداعي، لحالة لافتة من التوافق و الانسجام والوحدة، رغم كثرة وتنوع هذه الحمولات.

يتألف تكوين اللوحة من المستطيل الغامق الشاغل لثلث مساحتها، و هو كخلفيتها، مفعم بالمنمنمات ، والإشارات و الرموز و الأشكال المجردة. ولأنه منفذ بالألوان الغامق، والخلفية بالألوان الفاتحة ، تبادل و إياها القيم البصرية. و لكي يمتن علاقتهما ببعض، قام بنقل بعض أشكال وألوان الخلفية الى معمار التكوين، و أشكال و ألوان التكوين الى الخلفية، أما القيم الدلالية فمسربلة بشئ من الغموض، ما يحتم على المتلقي، التوقف مطولاً أمامها، و ربما سيكتفي بالحصول منها على المتع الجمالية البصرية المجردة، التي بات الفن لتشكيلي المعاصر يقتصر عليها، بعد أن زاحمته الفنون التي انبثقت من رحم الكاميرا، على مهمة تقديم المعاني و الأفكار و المقولات الأدبية الواقعية الحكائية.

مجلة ثقافية شهرية

تصدرها وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية

العدد 642 – السنة 56 – جمادى الثانية 1438 ه – آذار 2017 م